الكرة الذهبية: أسرار الصناعة، الجدل، والفرق بينها وبين The Best
🗓️ نُشِر بتاريخ: 11/9/2025 🕓 الوقت التقديري للقراءة: 7 دقائق
رحلة الكرة الذهبية: من فكرة في مجلة إلى أسطورة تهز عالم كرة القدم
منذ عام 1956، أصبحت "الكرة الذهبية" (Ballon d'Or) إحدى أبرز الجوائز الفردية في عالم كرة القدم. لا تعكس قيمتها الذهبية فحسب، بل تمثّل رحلة متقنة الصياغة، وصراعاً إحترافياً بين لاعبون ينضجون على أرض الملعب، وأجندات تسويقية تُثير الجدل على نطاق عالمي.
في هذا المقال، نستعرض صناعتها، الفرق بينها وبين جائزة "The Best"، وهيمنتها الإعلامية، وتداعيات التحولات في كرة القدم، مثل خطة الإستثمار في الدوري الألماني.
ولادة الكرة الذهبية وتطورها
أطلقت مجلة فرانس فوتبول عام 1956 جائزة الكرة الذهبية، وكانت البداية مع الإنجليزي ستانلي ماثيوس. في أول الأمر اقتصرت على اللاعبين الأوروبيين، ثم توسعت عام 1995 لتشمل كل من يلعب في الأندية الأوروبية، ليكون جورج ويا أول غير أوروبي يتوج بها. ومنذ 2007 أصبحت مفتوحة أمام جميع اللاعبين حول العالم.
في 2010 اندمجت مع جائزة الفيفا تحت إسم كرة الفيفا الذهبية، قبل أن تنفصل من جديد عام 2016، لتستمر الفيفا بجائزة The Best. لم تتوقف الجائزة قط، إلا في موسم 2019-2020 بسبب جائحة كورونا التي عطّلت كرة القدم عالمياً.
صناعة الجائزة: من النحاس إلى تألّق الذهب
تُصنع الكرة الذهبية يدوياً على يد دار المجوهرات الفرنسية Maison Mellerio منذ 1956. تبدأ العملية بصفيحتين من النحاس الأصفر (البرونز) تشكّلان نصفين، ثم تُلحم معاً. يتم تعبئتها بمادة "سمنت" (للدعم الداخلي)، وتُنحت يدويًا لتظهر خطوط كرة القدم التقليدية. تلتقط الكرة شكلها النهائي ثم تُغطّى بطبقة رقيقة جدًا من الذهب، وتُثبّت على قاعدة فريدة من بلّورة البيريت الطبيعية. تستغرق العملية أكثر من 100 ساعة وتبدأ قبل تسليمها بستة أشهر.
لماذا نذكر ذلك؟ لأن الجائزة —رغم إسمها “ذهبية”— ليست مصنوعة بالكامل من الذهب أو فائقة الثمن، بل هي قطعة فنية يجمع صناعها يدوياً بين الحرفية والتقاليد.
الكرة الذهبية vs جائزة "The Best": نفس الجوهر باختلاف الجهة
الجهة المانحة:
▪️الكرة الذهبية تمنحها مجلة فرانس فوتبول عبر تصويت صحفيين وخبراء ومدربين وقادة منتخبات.
▪️جائزة The Best تمنحها الفيفا بعد إنفصال عام 2016 عقب إنتهاء عقد الشراكة مع المجلة.
الإسم الرسمي:
في الجوهر، كلتاهما تمثّلان نفس المعنى: جائزة أفضل لاعب في العالم خلال السنة.
آلية الإختيار:
يعتمد التتويج على تصويت مئات من الأشخاص المعيّنين فقط، مما يفتح المجال لـ التأثير الإعلامي والتسويقي والإنحيازات، بدلاً من الإعتماد على الأداء داخل الملعب وحده.
الجدل الشعبي:
كلا الجائزتين تُثيران نقاشاً دائماً بين الجماهير، حيث يُنظر أحياناً إلى أن الأندية ذات النفوذ الإعلامي والتسويق القوي تلعب دوراً في تحديد الفائز أكثر من الإنجازات الكروية نفسها، وفي النهاية تبقى الكرة الذهبية و"The Best" مجرّد جوائز رمزية لا تعكس دائمًا حقيقة من هو "الأفضل" على أرض الملعب، بل تعكس خليطًا من الأداء، التصويت، الإنحيازات، والتأثير الإعلامي.
هيمنة برشلونة وريال مدريد بين 2009 و2019
الهيمنة الإسبانية:
بين عامي 2009 و2019، انحصرت الكرة الذهبية بين نجمي برشلونة وريال مدريد: ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو. الإستثناء الوحيد كان في عام 2018 حين فاز بها الكرواتي لوكا مودريتش بعد إنتقال رونالدو إلى يوفنتوس، وسط توقعات واسعة بأنه لو بقي في ريال مدريد لكان واصل التتويج.
التفوق التسويقي:
يرى كثيرون أن هيمنة لاعبي برشلونة وريال مدريد لم تكن دائماً بسبب التفوق الكروي على أرض الملعب، بل نتيجة القوة التسويقية والإعلامية للناديين مقارنة ببقية الأندية الأوروبية.
▪️2020: البولندي روبرت ليفاندوفسكي، لكن الجائزة أُلغيت بسبب جائحة كورونا، وهو ما أثار التساؤلات: هل كان القرار سيُتخذ لو كان ليفاندوفسكي لاعباً في ريال مدريد أو برشلونة؟
▪️2021: واصل ليفاندوفسكي تقديم مستويات إستثنائية، لكن الجائزة ذهبت إلى ميسي بفضل تتويجه بكوبا أمريكا، ما أثار جدلاً واسعاً.
جدل 2016 و2017:
تُوّج رونالدو بالكرة الذهبية بعد فوز ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا مرتين متتاليتين، إضافة إلى يورو 2016 مع البرتغال. غير أن الكثيرين اعتبروا أن هاتين الكرتين جاءتا وسط شبهات بسبب سلسلة من الأخطاء التحكيمية المثيرة للجدل في مباريات ريال مدريد خلال تلك الفترة.
إنتقال رونالدو ومودريتش 2018:
بعد رحيل رونالدو إلى يوفنتوس في صيف 2018، فاز زميله السابق لوكا مودريتش بالكرة الذهبية، رغم أن كثيرين رأوا أن الفرنسي أنطوان غريزمان كان الأحق بها.
المهاجمون في الصدارة دائماً:
على الرغم من أن الجائزة تُعرف بـ "أفضل لاعب في العالم"، فإنها غالباً ما تذهب إلى المهاجمين والهدافين، بينما يُهمل الحراس والمدافعون ولاعبو الوسط، مما يعزز الإعتقاد بأنها أقرب إلى جائزة "أفضل هداف" منها إلى جائزة أفضل لاعب شامل.
خطة الإستثمار في الدوري الألماني (2024) وعلاقتها بالكرة الذهبية
في عام 2024، طرحت رابطة الأندية الألمانية (DFL) خطة إستثمارية تقوم على بيع جزء من حقوق البث التلفزيوني لمستثمرين خارجيين مقابل ضخ نقدي فوري بقيمة ملياري يورو (2.2 مليار دولار)، وذلك من أجل إبقاء كرة القدم الألمانية قادرة على المنافسة دوليًا.
الخطة كانت تنص على تخصيص 750 مليون يورو للتسويق وإنشاء منصة بث جديدة، بينما يحصل كل نادٍ على حوالي 300 مليون يورو بشكل مباشر، ويُوجَّه الباقي إلى إستثمارات طويلة الأمد.
الدوري الألماني يُعرف تاريخيًا بكونه مدرسة لتأسيس وتطوير اللاعبين، والدليل هو إنتقال عدد كبير من نجومه إلى الدوري الإنجليزي بحثًا عن رواتب أعلى، وليس لأن الأندية تبيع لاعبيها من أجل المال. فالأندية الألمانية تعمل تحت قاعدة 50+1 (باستثناء بعض الحالات)، ما يعني أن السيطرة تبقى في أيدي الأعضاء والجماهير وليس المستثمرين.
لكن الخطة سقطت بسبب إحتجاجات جماهيرية ضخمة رأت فيها تهديدًا لجوهر الدوري وهويته، حيث رمى المشجعون كرات التنس والحلوى على الملاعب، واستُخدمت طائرات وسيارات صغيرة لتعطيل المباريات، مما أجبر الرابطة على التراجع وإلغاء المشروع نهائيًا.
علاقتها بالكرة الذهبية
لو نجحت خطة الإستثمار، لكان الدوري الألماني عزّز من قدرته التسويقية على المستوى الدولي، ما قد يسمح ببقاء عدد كبير من اللاعبين الممتازين في الدوري الألماني، وأبرزهم فلوريان فيرتز، وكان من المتوقع أن نشهد مستقبلًا منافسة قوية على الكرة الذهبية بين موسيالاوفيرتز.
الكرة الذهبية… بين المجد على أرض الملعب والتأثير الإعلامي
في النهاية، تظل الكرة الذهبية وجائزة The Best مجرّد جوائز رمزية تعكس خليطًا من الأداء، التصويت، والإنحيازات الإعلامية والتسويقية، ولا تعكس دائمًا حقيقة "الأفضلية" على أرض الملعب. من هيمنة برشلونة وريال مدريد إلى الجدل حول اللاعبين المستحقين والفرص الضائعة في الدوري الألماني، يظهر أن الجائزة ليست فقط نتيجة لعب رائع، بل تتأثر بالقوة التسويقية للأندية وبالتوجهات العالمية لكرة القدم.
إذا كنت من عشاق الرياضة والإبتكار، فنحن ندعوك اليوم إلى: